على الرغم من تطور الصناعات الورقية في الدول المجاورة، حافظ لبنان على مكانته الطليعية في هذا المجال… فهذه الصناعة تطورت خلال السنوات العشر الأخيرة، وأصبح إنتاجها يغطي معظم احتياجات السوق اللبنانية مع فائض للتصدير، إلا أن الواقع الحالي الصعب الذي يمر به هذا القطاع وانسداد الأفق أمامه على المدى المنظور يطرح السؤال عن إمكانية استمرار لبنان بالدور الريادي الذي أدّاه لسنوات خلت
تطور قطاع الصناعات الورقية ولا سيما الطباعة في لبنان على مدى سنوات طويلة، ما جعله من أهم البلدان في العالم العربي في هذا المجال، وذلك للإمكانيات البشرية والتقنية العالية التي يتمتع بها القيمون على هذا القطاع.
يبلغ عدد معامل الصناعات الورقية في لبنان بما فيها المؤسسات الطباعية 367 مؤسسة (التي تتألف من 8 عمال وما فوق)، وتتوزع على المحافظات وفقاً للتالي: جبل لبنان 224 مؤسسة، بيروت 85 مؤسسة، لبنان الشمالي 32 مؤسسة، لبنان الجنوبي 13 مؤسسة، البقاع 12 مؤسسة.
صناعة قادرة على المنافسة
ويؤكد رئيس نقابة أصحاب الصناعات الورقية والتغليف في لبنان، رئيس الاتحاد العربي للصناعات الورقية والطباعة الدكتور فادي الجميل قدرات الصناعيين اللبنانيين وطاقاتهممعتبراً أن الصناعة المحلية صمدت واستمرت على رغم الصعوبات التي عصفت بها وأثبتت قدرتها على تطوير نفسها، «فالمشكلة ليست في الصناعة بل في الاقتصاد اللبناني ككل. ليس لبنان بلداً صناعياً بالمطلق، لكن هناك الكثير من الصناعات التي تتلاءم مع ميزات لبنان التفاضلية، وعلينا ألا نسبب إعدامها».
ويضيف «نحن في سباق مع الوقت ومع الجميع ولا سيما محيطنا، ولا نستطيع أن نبقى نتغنى بالتاريخ في وقت يطور فيه غيرنا صناعاته بسرعة. ومع هذا أصّر على أنه لا تزال لدينا ميزات تفاضلية على منافسينا، كالذوق اللبناني والإبداع الفكري اللذين يدخلان في هذه الصناعة، ما يؤهلها للمنافسة الإقليمية والعالمية».
ويقول الجميل «نطمح لأن يعمل شبابنا بالصناعات ذات القيمة المضافة، لكن لأسباب عديدة لا يوجد شباب مؤهل لهذا الأمر، فأغلبية الكفاءات الماهرة تغادر البلد».
تنمية الصادرات
أدّت الصناعات الورقية اللبنانية دوراً تاريخياً في المنطقة، وكان لبنان أول البلدان التي امتلكت مصانع تدويرية للورق، وأول من أدخل صناعة الكرتون المضلّع إلى العالم العربي، وفي هذا السياق يقول الجميل «نفتخر كصناعيين بأننا أدّينا دوراً أساسياً في تنمية الصادرات اللبنانية وتعزيز القطاعات الإنتاجية المختلفة ورفدها بما تحتاج إليه لولوج الأسواق العالمية كتغليف المنتجات الزراعية المصدّرة. وبالفعل وصلت صادرات مؤسساتنا إلى سائر أنحاء العالم لا إلى البلدان العربية والإفريقية المحيطة فحسب، إذ بلغت دولاً في أوروبا وأميركا وأستراليا وحتى اليابان، وهذا دليل ثقة بمنتجاتنا وبالصناعة الوطنية، وقد ساعدنا الانتشار اللبناني على تحقيق ذلك».
الريادة
على الصعيدين الفني والتقني، تعدّ الصناعات الورقية في لبنان متقدمة إلى حد كبير مـــــــقارنة مع المواصفات العالمية، وفي هذا الإطار يوضح الجميل «نتّــــــبع آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة في شؤون التصنيع والتوضيب والمــــــميزات التقــــــــنية. لقد قطـــــــــع لبنان مرحلة متقدمة في عالم الصناعات الورقية، وتاريخياً كنا من الرواد على أكثر من صعيد».
كلفة استخدام الطاقة تعوّق صناعات إعادة تدوير الورق
تنقسم الصناعات الورقية عموماً إلى قسمين رئيسيين: الصناعات الورقية العادية (تتألف من 12 قطاعاً) والصناعات التدويرية والتحويلية.
صناعات إعادة التدوير
تعاني صناعات إعادة التدوير في لبنان مشكلة أساسية تعوق قدرتها على التطور والنمو وتتمثل في ارتفاع كلفة استخدام الطاقة لهذه الصناعة إلى أكثر من 30 في المئة مقارنة مع الدول المجاورة.
وفي هذا الإطار يفصّل الجميل: «عام 1998 قدمنا دراسة لوزير الاقتصاد تبين أن كلفة ارتفاع أسعار الطاقة على مصنع تدوير تزيد على 20 في المئة من كلفة الإنتاج الإجمالية، وهي قابلة للارتفاع من مصنع لآخر، فبعض القطاعات الورقية تستخدم ما يسمى الطاقة المكثفة أي الاستهلاك العالي للوقود، ما يزيد من أكلاف الإنتاج».
ويتابع «لقد أثقل هذا الأمر كاهل صناعة الورق في لبنان مدى سنوات طويلة فتراكمت المشكلات وزاد العبء عليها بحيث باتت بحاجة إلى معالجة جذرية على أسس واضحة، كما حاول الوزير الراحل بيار الجميل أن يقوم به في خطته للنهوض بالصناعة اللبنانية، أي تصويب الحقائق وعدم معالجة الأمر كرزمة واحدة، إذ لكل قطاع خصوصيته».
المنافسة مع الجوار
لا تستطيع الصناعة اللبنانية منافسة دول الجوار كسوريا والأردن ومصر ودول الخليج العربي بسبب تدنّي كلفة الإنتاج في هذه الدول مقارنة مع لبنان. فصناعة الورق تطورت خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل هائل في دول الخليج، وبـات إنتاجها ينافس الإنتاج اللبناني في السوق المحلية.
وفضلاً عن ارتفاع أسعار الطاقة، يعتبر ارتفاع كلفة التصدير عائقاً إضافياً أمام الصناعات الورقية اللبنانية، وتبقى ميزة الجودة والتخصص، كما يسميها الجميل، هي الأمل الوحيد للحفاظ على القدرة التنافسية للسلعة اللبنانية، وهي قد تفتح أمامها منافذ جديدة في الأسواق الخارجية.
أكثر من 50 سلعة متنوعة
تنتج الصناعات الورقية اللبنانية بمواصفات عالمية أكثر من 50 سلعة أبرزها:
ورق صحي معدّ للتقطيع لصنع لفّات صغيرة أو رزم للبيع بالتجزئة.
ورق وورق مقوّى مموّج أو مجعّد أو مثنّى أو محرّز أو مثقب لفات أو صفائح ورق سجائر.
مغلفات، رسائل بطاقات بريدية غير مصوّرة وبطاقات للمراسلة، علب وجعب وما يماثلها.
ورق خاص للكمبيوتر، أكياس ورق معدّة لتعبئة الإسمنت.
علب من الورق المقوّى مثقّبة للتهوئة ومعدّة لنقل الخضر والفاكهة وغيرها من المنتجات الزراعية.
علب وأكياس، صحون وكبايات.
علب لحفظ الأوراق والرسائل وما يماثلها من ورق يستعمل عادة في المكاتب والمحال التجارية.
سجلات، دفاتر على أنواعها، مفكرات، ملفات، مصنفات.
أغطية، فوط، مناديل، مناشف صحية.
لماذا لا نكون مثل قبرص؟
ما هو المطلوب لمعالجة كل تلك المشكلات؟
يجيب الجميل «إن الصناعيين، بشكل عام، مقتنعون بأن المسؤولين لا يريدون للبنان أن يكون بلداً صناعياً بالمعنى الحقيقي، أو إنهم يريدون صناعة لا يطمح إليها الصناعيون أنفسهم… ونلمس أن هناك توجهاً عاماً لدى المسؤولين لكي يكون البلد بلداً سياحياً وتجارياً فحسب، نظراً إلى الميزات التفاضلية التي يتمتع بها الاقتصاد في هذين القطاعين».
ويضيف «نحن لا نقول بأننا نريد أن نجعل لبنان بلداً صناعياً بالمطلق، لكننا نريد أن نحافظ على الصناعات القائمة، وقد أعطينا مثالاً على ذلك قبرص. معروف أن قبرص بلد سياحي بامتياز، وهي تشبه لبنان على أكثر من صعيد، لكن الكثيرين لا يعلمون أن القطاع الصناعي في قبرص يساهم بأكثر من 30 في المئة من الناتج القومي لهذا البلد، لذلك نطالب بأن تساهم جميع القطاعات الإنتاجية بالدورة الاقتصادية العامة، الأمر الذي يرفع من دخل الفرد، ويقدم اقتصاداً متطوراً مبنياً على التنوع والإنتاجية».
ليست المشكلة في الصناعة الوطنية بل في الاقتصاد اللبناني، يشدد الجميل، «في لبنان لدينا اقتصاد حر، لكن هناك الكثير من المواضيع التي تندرج خارج هذا العنوان العريض ومن ضمنها موضوع الفوائد المرتفعة. على الدولة أن تعالج هذا الأمر، فحين أعطت الدولة فوائد مخفوضة على الاستثمارات الصناعية الطويلة الأمد للصناعيين والزراعيين أثّر ذلك كثيراً في هذين القطاعين، وكانت النتائج مميزة، وأدى ذلك إلى تفعيل زيادة الاستثمار الصناعي في لبنان وأوجد فرص عمل جديدة».
المصدر: نادر صباغ- الأخبار
أحدث التعليقات